الرابع من شهر كانون الأول هو عيد مشترك لقديسين من عظماء كنيستنا الرسولية المقدسة :
القديسة الشهيدة بربارة ( الشهادة الحمراء او شهادة الدم )
الأب البار القديس يوحنا الدمشقي ( الشهادة البيضاء )
فالأولى قدمت حياتها ثمناً لإيمانها بفاديها ومخلصها ، وأما الثاني فهو عمود الرأي المستقيم والإيمان الأرثوذكسي الذي دافع عن العقيدة الأرثوذكسية في وجه الهرطقات وخصوصاً هرطقة مضادي الأيقونات ، وأبهج كنيسة الرب بأجمل الترانيم والألحان البيزنطية التي لا نزال نستعملها كما وضعها إلى اليوم .. وإلى الأبد ..
لن أطيل في سرد حياة كل من قديسنا العظيمين وساختصر لأقول ان بربارة عاشت في نيقوميدية على عهد الأمبراطور الروماني مكسيميانوس ، آمنت بالمسيحية فقام والدها بتعذيبها بوحشية بالغة حتى بلغ الأمر حد أنه قطع رأسها بيده بعد ان فشل في ثنيها عن إيمانها ، كان ذلك حوالي العام 290 ميلادي.... أما الأب البار يوحنا الدمشقي( 676 - 760 ) الغني عن التعريف فهو منصور بن سرجيوس ، ابن دمشق الذي نال تعليماً رفيعاً آنذاك وكان برتبة مستشار للخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، ترك كل شيء وانتقل إلى فلسطين ليترهبن في دير القديس سابا ثم سيمَ كاهناً ، جاهد بشجاعة ضد الهراطقة محاربي الأيقونات وسرد العقائد الأرثوذكسية بدقة متناهية ( المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي ) ووضع أجمل الألحان والترانيم البيزنطية التي لا تزال تردد بدون تغيير إلى اليوم في كل خدمة إلهية وكل صلاة ( مثل : إن البرايا بأسرها تفرح بكِ .. )
رقد الإثنان بسلام منذ زمن طويل، وتركا في الكنيسة بصمتين واضحتين : فالإيمان بالمسيح لا يُردّ عنه الدم والروح ، والإيمان لا يُساوم عليه بكل أمجاد الدنيا واملاكها الفانية..
رحلا عن العالم بشكلين مختلفين ولكنهما قدما الشهادة نفسها وهي ان الكنيسة ترتوي وتنمو بالشهادة واستقامة العقيدة فقط ..
بعد أن مرت السنين يبدو أن المؤمنين قد انشغلوا عن شهادتهم بالعالم ومباهره الزائلة معه، فالبربارة صارت مناسبة للتنكر و " الشحادة " عن الأبواب ، صارت صورة للهالويين الغربي [ عيد الرعب ] ! الناس تفرح اليوم بالتخويف وبث الرعب في قلوب بعضهم البعض، أو بتغيير الوجوه والملابس كما تغير الأفاعي والسحالي جلودها . ليس من يذكر اليوم تلك الشهيدة التي قالت لوالدها وللحاكم : .. أنا أحبكم ولكني احب المسيح أكثر وطاعته أوجب من طاعتكما .. مكرّسة قول السيد له المجد أنه جاء ليفرّق الابن عن أبيه والكنة عن حماتها وأن اعداء المؤمن هم اهل بيته .. وطغى التنكر و" اكل السليقة " والحفلات الفنية الساهرة و الكرنفالات ليس على القديسة التي يطلقون اسمها على هذه الخرافات بل وعلى علمٍ آخر من اعلام الكنيسة وركن العقيدة المستقيمة الرأي ، اعني القديس البار يوحنا الدمشقي ..
لقد جمعت الكنيسة القديسين في يوم واحد لأنهما متشابهان في نواحٍ كثيرة : فكلاهما من عائلة غنية وثرية ، تركا كل المجد من اجل يسوع المسيح ورسالته ، وكلاهما دافعا عن الإيمان القويم ن وكلاهما استشهدا ( شهادة الدم ، وشهادة الرهبنة )..
ضاع يوحنا الدمشقي في غمرة الصخب والقرقعة وكؤوس الخمر المتناثرة في حياتنا العبثية اللامسؤولة.. وضاعت معه بربارة
والجواب الذي لا يتاخر احد في إعطائه لدى أي سؤال هو " إننا محتفلون اليوم بعيد البربارة " !!!!
والأصدق لو يُقال " إننا محتفلون اليوم .. إننا متنكرون .. أننا سهرانين .......... إلخ " ولكن لنترك بربارة المقطوعة الرأس ترقد بسلام.. طالما اننا قد تركنا يوحنا منذ زمن بعيد بلا اكتراث هو الآخر ..
ما يؤلم اليوم هو اننا استوردنا - نحن معشر الشرقيين الذين يفترض اننا أول المؤمنين ! - كل المصطلحات غير المسيحية المعلّبة من الخارج تحت حجج وشعارات واهية مختلفة .. نسينا انفسنا وأضعنا الحقيقة وما عدنا نمتلك هوية واضحة ..
فعيد الميلاد ....................... صار ................... عيد بابا نويل ( مو منشان شي بس منشان نفرح باولادنا !!! لأنو المسيح دقّة قديمة )
وعيد القيامة ..................... صار ................... عيد البيض ( موديرن اكتر وما بيجرح مشاعر حدا !!! اهم شي لأنو المشاعر )
وعيد بربارة ويوحنا ............ صار ................... عيد التنكر ، الهالوين ، الكرنفال ( المهم لا تذكرونا لا ببربارة ولا بيوحنا، بلا هالصرعة )
والجمعة العظيمة .............. صارت ................. الجمعة الحزينة ( مين قال أن الصلب هو مناسبة للحزن في الحياة المسيحية ؟ )
منكمل أو خلص .... ؟
يصح فينا اليوم أكثر من اي يوم سابق القول المأثور " جاء الغراب ليقلّد الطاووس، فلم يستطع ان يسير مثله مختالاً، ولما أراد العودة ليسير كما كان نسي مشيته الأصلية " .. الغراب لم يستطع أن يصير طاووساً ولا أن يعود غراباً.
على أمل أن نفيق ولو للحظات من الكابوس المستمر ، ونوقف - كل واحد يبدأ من نفسه وبيته - بوقف هذا الإنحدار المتسارع إلى الدرك الأسفل .. اعايدكم جميعاً ، صافيتا ، واهلها المؤمنين والمحبين .. آمين
هلموا نمتدح البلبل الغريد ، شجي النغم الذي أطرب كنيسة المسيح وأيهجها ، باناشيده الحسنة الإيقاع الطليّة أعني به يوحنا الدمشقي الكليّ الحكمة ، زعيم ناظمي التسابيح ، الذي كان مملوءاً حكمةً إلهية وعالمية
يا يوحنا الكلي الحكمة، لقد نقضتَ البدع بحكمتك يا كلي الغبطة، وسلّمت الكنيسة المعتقد القويم، لتعتقد باستقامة وتمجد الثالوث، الوحدانية ذات الثلاثة الأقانيم بجوهر واحد
.........................................
لنكرمنّ القديسة بربارة الكلية الوقار لأنها حطمت فخاخ العدو ونجت منها كالعصفور بمعونة الصليب وسلاحه
أيتها الشريفة بربارة اللابسة الجهاد ، لقد تبعتِ الثالوث المسبّح بحسن العبادة، فأهملت المعبودات الوثنية ، ولما جاهدتِ في وسط الميدان بعزم ثابت لم تجزعي من تهديديات المغتصبين صارخة بصوت عظيم أيتها النقية : إني أعبد ثالوثاً بلاهوت واحد
فبصلواتهما وصلوات جميع قديسيك ارحمنا يا رب وخلصنا وخلص كنيستك ، آمين
موضوع: نعوة فاضل 
6/12/2008, 22:57
